
المكان : قاعة الأفراح ...
الزمان : ليلة العمر ...
يدوي صوت منبهات السيارات معلنا قدومهما و قد توجهت الأنظار باحثة ، و سُلِطت الأضواء منيرة ... يركض الكاميرا مان و مساعده لتخليد الواقعة، و تتجهز الفرقة الموسيقية لإستقبال العريسين ...
"لمحمّد صُمم الحجارة كلمت، و له الغزالة بالفصاحة سلمت ...
إنزاد النبي و فرحنا بيه، صلى الله عليه، يا عاشقين رسول الله صلوا عليه ..."
توقفت في لحظة الفرقة عن الغناء، و إنطفأت الأنوار، و ذابت الأصوات و إمتزجت بصوت آهات مبللة بدموع حرمان ... لطالما حلمت بذلك اليوم، لابسا أجمل حلة، متأنقا، متعطرا، مضيئا كالقمر، فخور أبي، دامعة عين أمي فرحا ... تتوجه كل العيون نحوي إعجابا أو حسدا ، و يهتم كل الحضور بي ... و جنبي لابسة الفستان الأبيض، جميلة رقيقة كالوردة ...
عندها، عدت لمكاني، على طاولة المطعم الفرنسي، و إمتزج طعم الأكل بمذاق الدموع المالح... لم يكن ذلك عرسي، فعرسي أنا، لن يكون ...
لن تفرح أمي و لن يفخر أبي، لن تزغرد الخالة و العمة، و لن ترقص الأخت و لا إبنة الجيران ...
لن أركب السيارة الفخمة، و لن أسمع تلك الأغنية تمدح النبي الكريم معلنة إطلالي على جموع الناس ...
لن أمسك صاحبة الفستان الأبيض أقطع تلك الأمتار التي تفصلني عن كرسي هو أشبه بالعرش الملكي من أي شي آخر ...
لن أخجل من سخريات أصحابي في آخر القاعة يشاكسونني و هم على علم بما أنا مقدم عليه في آخر الليلة في غرفة نومي ...
لن ألتقط الصور مع كل الأهل و الأصحاب و لن أسمع حتى كلمة :" مبروك، بالرفاء و البنين"..
دمعي لم يكن أني حزين أن عرسي لن يكون، لكن دمعي أني حزين أن أمي لن تدمع عيونها و أن أبي لن يستقبل ضيوفه، و أن أختي لن ترقص ...
مسحت الدموع مسرعا، و شتمت ضعفي، و ضحكت من غبائي، فكم من رجل تحدثت المدينة كلها عن يوم عرسه، لكنني سمعته يلعن بفمه ذلك اليوم، كم من مرأة كانت أميرة السهرة، و صارت بعد كم شهر أو كم سنة مطلقة لا تجد من ينفق على أبنائها الثلاثة ...
سينسى أهلي حرمانهم من تلك الليلة، و سيدركون أن أهم منها في الحياة، هي السعادة ... و تكون كل ليلة، ليلة عمر ...