كنت تحدثت في سلسلة "أربع رجال و حكاية" عن زميلتي الفضولية رقم2، إمرأة في منتصف الثلاثينات من عمرها، مرحة فرحة، ربطتني بها منذ أول أيامي في الشغل علاقة حميمية...
هي بنت فرنسية، أصلها عربي... أمها و أبوها من المغرب، أبوها توفى لما كانت صغيرة و أمها مازالت حية...
متزوجة و عندها ولد عمره 3 سنوات...
في مرة من المرات، كانت تحكي معي عن إبنها، حسيت إنها حابة تاخذ رأيي في موضوع يخصه!
لكن، ماذا عساي أقول و أنا ما عانديش لا إبن و لا بنت و لا عندي تجربة مع الأطفال؟
حدثتني زميلتي قالت:
"
إبني، عمره 3 سنين، حياته حياة عادية، لا ينقصه شيء، ولد صغير مشاغب، إبني أحلى شيء في حياتي!
إبني، حاسة إنه مختلف، مرات يطلب مني إني أشري له عروسه، و مرات يطلب إني أشري له أدوات طبخ للأطفال، و مرات ألاقيه يعمل ماكياج و يحب يعمل طلاء أظافر !!
لامني كل أهلي إني دايما أعمل له كل شيء يطلبه، إشتريت له أدوات الطبخ، و أعمل له شوي ماكياج لما يطلب مني!
أفرح لما أشوفه فرحان، و خايفه عليه إن الناس حوله، لما يدخل للمدرسة أو في الحي الشعبي إلي نسكن فيه، خايفه عليه من نظرة الناس، من الشتايم، من العنف! أنا أكثر واحدة تعرف معنى العنف و قلة التسامح عند العرب الساكنين في فرنسا، بالرغم إنهم في بلد متحضر، يحترم الآخر، يحافظ على حقوق ممارسة الدين، فيه قوانين تدافع عن الأقليات الدينية و الجنسية، إلا أن العرب المهاجرين، بالرغم من تمتعهم بكل تلك القوانين التي تحميهم من التطرف و العنصرية، هم أكثر الناس عنصرية، هم أكثر الناس عنفا ضد من يخالفهم، من يخرج عن تقاليدهم!
أنا أتقبل إبني كما هو، و سأدافع عنه لآخر لحظة، كل ما يهمني أن يكون سعيدا في حياته، هو مازال صغير، 3 سنوات، يمكن تكون هاذي فترة و تمر بسرعة، و لكن لو لما يكبر، يقول لي إنه مثلي جنسي ، فأنا سأدافع عنه مهما كان الثمن!!
"
أسعدني جدا كلامها، فهمت أنها إختارت الحديث معي لأني أنا مثلي و عربي، فكل ما قلت لها هو أني أتمنى لو كل الناس كانوا مثلها، متسامحين، متفهمين، أتمنى لو أمي أنا كانت مثلها، لو أهلي و أصحابي كانوا مثلها، لكن، للأسف، نادرة عملة التسامح عند العرب، قليلون هم من يؤمنون بالحب عن المسلمين...
حدثتها عن صعوبة حياة المثليين في بلاد العرب، و عن صعوبة حياتهم في الأحياء الشعبية الفرنسية حيث يوجد الكثير من العرب... لأنهم يرثون مظاهر التطرف من أهاليهم للأسف... خصوصا فيما يخص المثليين...
فقالت ضاحكة:
"
أنا أكثر من عانى من هذا الأمر، لكن، كل العرب ليسوا متطرفين، العرب ضحايا جهلهم، و يكفي أن يساعدهم أحد على إكتشاف حماقتهم، حتى يتركوها...
أنا، كنت محظوظة، مات أبي و أنا صغيرة، و إلا فما كان أن يسمح لي بأن أتزوج زوجي الحالي:
زوجي رجل أسود، مسيحي، من الكونغو الديمقراطية!!
لا هو عربي، لا هو مسلم، لا هو أبيض !!!
عانيت معاناة طويلة لما رفضت أمي، رفض عمي، رفض أخي، رفض كل الناس حولي أن أحب، فقط أحب!!
رفضوه لأنه مختلف عنهم، و هم من يعاني من نظرة العنصرية من قبل الفرنسيين فقت لأنهم هم أيضا مختلفون!
ما أصعب أن يكون المظلوم ظالما بدوره !!!
قاومت، بكيت، ضربوني، هددوني، لكني كنت أحب...
كدت أقنط و أترك حبيبي، لكني في مرة من المرات فهمت، كنت مع أمي، تهددني بالقتل إن لم أترك من أحب قلبي...
فسألتها لماذا تكره أن أكون مع رجل أسود، مع رجل غير مسلم؟؟ عاتبتها لأنها كانت أكثر عنصرية من أقبح العنصريين الفرنسيين!! فسكتت و قالت : ماذا سيقول عني صديقاتي، ماذا سيقول عني الناس؟؟؟
عندها، فهمت، و أقسمت أني لن أترك من إختار قلبي ما حييت...
هو رجل عمره مثل عمري، فكره يشابه تفكيري، أحس معه بالأمان...
اليوم بعد سنوات من قراري، أمي صارت تحب إبني أكثر من أي شيء في الدنيا، أمي صارت ترحب بزوجي و لا تستحي أن تقول أن إبنتها الكبرى متزوجة من رجل أسود، غير عربي... أن إبنتها متزوجة ممن تحب..."
أثر كلام الزميلة فيا تأثيرا كبيرا، و تمنيت لو إنتهت كل قصصنا كقصتها، تمنيت لو أن كل طفل مختلف له أم مثل زميلتي، لا تستحي أن تشتري له أدوات الطبخ! تمنيت لو فهم آل عربان معنى التسامح... آل عربان؟؟ قد يفهمون معنى إخراج الجن من مهبل إمرأة، قد يفهمون معنى جلد 100 جلدة من أحب، إعدام من فكر و إختلف... لكن، هل يفهمون معنى الحب؟؟؟